في كتابه ’اختر نفسك‘Choose Yourself شرح لنا الكاتب جيمس ألتشر (رابط موقعه) تفاصيل رحلته من أعماق الفشل العظيم إلى سطح النجاح، كيف فشلت له 17 شركة بدأها (من إجمالي 20 شركة أسسها بنفسه) وزيجتين وكيف أفلس تماما أكثر من مرة (بعد رصيد بالملايين في البنوك) وسقط رهينة الاكتئاب الشديد المرضي وزار أطباء نفسانيين عدة، وكيف تسرع في رفض الاستثمار في شركة ناشئة مجهولة اشترتها جوجل فيما بعد بالملايين وحولت اسمها إلى آدوردز، والقائمة طويلة لكني فقط أريد أن تلاحظ الشبه بينك وبينه في عدم التوفيق…
جيمس كاتب أمريكي، لا يميزه في حياته سوى رغبته الداخلية في النجاح في الحياة والأعمال، الأمر الذي جعله يبحث عن أسباب النجاح العامة والخاصة، تلك الأسباب الحقيقية والفعلية التي يمكنك تطبيقها، التي لا تجدها في تلك المقالات والتدوينات التي تضع عناوين لها على شاكلة 7 أسباب تحول بينك وبين نجاحك أو 10 عادات للناجحين ستجعل منك ناجحا في الحال…
جيمس في نهاية الأربعينات من عمره (وقت كتابة هذه السطور)، تجد أسلوب كتابته ساخرا، يؤكد على أنه انسان عادي، لا يحمل شهادات أكاديمية من جامعات شهيرة، خريج مدرسة الحياة التي تعلم طلابها بالفشل المؤلم والإخفاق الذريع.
يزعم جيمس أنه يعطيك الحقيقة بدون تزيين أو تزييف، يقول لك أن رضاك بالوظيفة هو علامة على غبائك، وسبب فقرك، وأن نهاية حياتك ستكون بائسة، لأن مبدأ وفكرة العمل في وظائف إلى زوال، ويمكنك أن تلوم التقدم التقني على هذا الزوال، فالآلات تحل محل الانسان العامل، والتقنية جعلت وظائف عدة تختفي ليحل محلها وظائف جديدة لن تكون مستعدا لها ولن تملك متطلبات شغلها…
كذلك يخبرك جيمس أن عليك أن تبدأ مشروعك التجاري الخاص، وأن تستعد لأن مشاريعك هذه ستفشل، وأن السبيل لكي تنجح هو عن طريق الفشل ثم الفشل.
ستفشل، عليك أن تثق في ذلك، وفشلك الأكبر سيكون حين تتوقف عن إعادة المحاولة.
ما وجده جيمس بالتجربة هو أن النجاح يولد من أعقاب المحاولات الفاشلة غير الموفقة، وأن النجاح ليس أن تصيب من أول رمية، بل النجاح هو قرارك الفردي الداخلي أن الفشل ما هو إلا خطوة على الطريق، وأن النجاح يأتي قبله مرات فشل كثيرة، وأنك لن تنجح ما لم تسامح نفسك على أخطائها وعثراتها وفشلها وتحاول مرة أخرى بنفس راضية.
جيمس يقول على نفسه أنه اليهودي الأمريكي، وهذا ليس تفاخرا بديانته، بل سخرية من حاله الذي تحدى الصورة العامة التي يفترضها الناس عن أي يهودي أنه شديد الثراء لا يخطئ أبدا له قدرات سحرية يرى المستقبل… إذ رغم كل ذلك، أفلس جيمس وخسر وفشل وأصابه الإحباط الشديد واليأس…
رغم كل ما سبق ذكره وزيادة، أراد جيمس أن يعرف لماذا يخسر ويفشل، ولماذا ينجح الناجحون.
من خلال حياة قضاها في تحري الإجابة الصحيحة لهذا السؤال، ومن مناقشة الناجحين والفاشلين، ومن إلقاء الخطب والدورات، توصل جيمس لعدة أسباب وملامح وصفات، من ضمنها وصفة أسماها تنظيف أسفل سريره، ولهذا العنوان قصة طريفة..
الجدة العصبية
كان لدى جيمس جدة عصبية جدا، كانت زيارتها لمنزله تعني الويل والثبور وعظائم الأمور، إذ كانت تشدد في محاسبته على أي خطأ صغير أو كبير، وكانت تدقق في مستوى نظافة غرفته وملابسه، حتى يحكي أنه وإخوته كانوا يزيدون من جرعة دوائها حتى تهدأ هذه النفس الثائرة الهادرة وتعاملهم بشكل أكثر هدوءا وتسامحا.
كان جيمس يستعد جيدا لهذه الزيارة المدمرة، بأن يخفي كل مصائبه أسفل سريره، حتى يظن الرائي أن غرفته نظيفة ومرتبة تستحق جائزة أوسكار أنظف غرفة صبي.
كان يتحقق لجيمس ما يريده من كل زيارة، لكنه في قرارة نفسه كان يعلم أن هذه النظافة وهذا المديح والثناء زائفا، غير مستحق.
الأمر ذاته يتكرر معنا حين ينجح أحدنا بسرعة، لكنه نجح لأنه أخفى كل المشاكل والعيوب أسفل سريره، وكما نعلم جميعا من واقع الخبرة، القابع في أسفل السرير سيكشف عن وجه القبيح ذات يوم قريب…
يروي جيمس قصة صديق له نجح وحقق الملايين من الأرباح، ثم بعدها ببضعة سنوات خسر كل شيء وعاد ليسكن مع والديه وزاد وزنه نتيجة اكتئابه بدرجة غير صحية… والأسوأ من كل هذا لم يعد قادرا على أن يأتي بأفكار تجارية جديدة ليقوم من عثرته…
بعدها بفترة تمكن هذا الصديق من أن يعود لطريق النجاح مرة أخرى، وهو فعل ذلك بأن قام بتنظيف أسفل سريره – كيف ذلك؟
ما فعله الصديق هو أنه نظر في حاله فوجد أن صحته تدهورت وزاد وزنه وانحدرت جودة طعامه… ولذا بدأ بأن مارس رياضة العدو والجري بشكل يومي، وبدأ يغير طعامه إلى صحي ومفيد.
بعدها بدأ ذهنه يصفو وبدأت ممارسته للرياضة تأتي له بالأفكار الجيدة، وبمرور الشهور بدأ حاله يتحسن وارتفعت معنوياته وعثر على مستشار تسويق ساعده على حسن التسويق لأفكاره الجديدة، وعاد للنجاح من جديد، لكن هذه المرة مع التنقيب عن أي مشاكل مختبئة أسفل سريره وحلها والعمل على عدم عودتها.
[كذلك قام بتوظيف طباخ متخصص في الطعام الصحي المفيد، ولعل هذه تكون فكرة لمشروع تجاري جديد]
يرى جيمس أنه في كل مرة نجح هو شخصيا فيها وحقق المال والأرباح، لم ينتبه إلى حقيقة أنه نجح لأنه أخفى كل مشاكله أسفل سريره وكما نعرف جميعا، هذه المشاكل لا ترضى بأن تبقى في الخلفية ولا تهدأ حتى تشق طريقها للواجهة…
بعد إطلاعه ومعاشرته لقصص كثيرة مثل هذه، وجد جيمس أن النجاح يبدأ بحل المشكلات الخفية، بالعودة إلى الأساسيات والحقائق البسيطة، والتي لخصها جيمس في أربعة أشياء:
الجسم السليم
كم مرة قرأت مقولة العقل السليم في الجسم السليم؟ شوف، مهما أعلنت وأظهرت تذمرك، تبقى هذه حقيقة راسخة لن تتغير.
إذا كنت تقبع في قاع الفشل وتريد أن تطفو بعيدا عنه، فأنت بحاجة لجسم صحي سليم.
الجري والعدو لن يكلفك شيئا (أو أي رياضة كانت)، وعدم تناولك لقطعة الحلوي أو تقليل قدر السكر الذي تضعه في كوب الشاي المفضل لديك هو قرار في يدك أنت لا غيرك والأمر كله موكول إليك.
[يسخر جيمس من أولئك الذين يقولون أنهم ينامون 3 ساعات فقط في اليوم ويقومون نشيطين ينقلون الجبال ويرفعون الأثقال وينصحون القارئ بأن يفعل مثلهم. هؤلاء – كما يقول جيمس – يعانون من اضطراب في المخ ولا يمكن القياس عليهم.]
المحيط السليم
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخالل. رواه أحمد والترمذي. (طبعا هذا الحديث ذكره محدثكم لا المؤلف حتى لا يختلط الحابل بالنابل)
يقول المثل يلزم الأمر تفاحة فاسدة واحدة كي تفسد صندوقا بأكمله من التفاح الطازج.
قل لي كم من مرة سمعنا وقرأنا أمثلة على ضرورة حسن انتقاء الصحبة الصالحة؟ ولا أقصد بالصلاح الدين فقط ولكن في كل شيء.
الأمر ذاته في النجاح وفي الفشل. النجاح له رجاله وكذلك الفشل.
لكي تنجح عليك أن تحيط نفسك بالمتفائلين والباحثين عن النجاح، لكن هذا هو الشرط الأول، الشرط الثاني هو أن تطرد بعيدا عنك المتشائمين والفاشلين باختيارهم. (الفاشلون هنا هم الذين ارتضوا بالفشل ورضوا به ولم يفعلوا شيئا لتغيير حالهم)
العقل السليم
هذه المرة لا نقصد الصحة بل استغلال العقل في المفيد السليم. حين تشغل بالك بما لا يفيد فأنت تهدر موارد التفكير لديك وهذا قرارك الخاص وعليك تحمل نتائجه دون شكوى.
يطلب جيمس منا أن نقرأ في كل يوم لمدة ساعتين، وأن نكتب كل يوم 10 أفكار جديدة.
حين تفعل ذلك، ستكون لديك عادة يومية: التفكير في الجديد، وبمرور الوقت ستستطيع التفكير في المفيد النافع، ومع الجسم السليم والصحبة السليمة، ستتمكن من استغلال الأفكار السليمة لتحسين حياتك.
الروح السليمة
بعدما تعالج الجسم والعقل والصحبة، يتبقى لديك الروح التي هي المحرك لكل ذلك.
يذكرنا جيمس أن علينا الاستسلام والقبول بأننا لا نتحكم في كل تفاصيل حياتنا، ويجب علينا في بعض الأحيان أن نقبل الهزائم والمصائب بنفس راضية وروح رياضية تقبل الهزيمة اليوم وتعيد المحاولة من جديد.
يطلب منا جيمس أن نقبل أنفسنا على ما هي عليه، ونقبل نواقصنا وعيوبنا، وأن نركز على الحاضر ونترك الماضي.
ينصحنا جيمس بأن نعود أنفسنا على أن نشكر كل يوم 5 أفراد. كل يوم أفراد جدد.
حين نفعل كل ما سبق، فإننا فعليا ننظف أسفل سريرنا، ونجعل الأرضية التي نقف عليها راسخة تتحمل أن نبني عليها نجاحنا فلا تنهار حين يعلو بناؤنا..
ثم يختم جيمس كلامه بنصيحة واحدة: افعل شيئا. لا تقف مكانك. فقط خذ أي خطوة للأمام ولو كانت صغيرة.
هذا ولا زال في الكتاب صفحات متبقية، لعل فيها ما يستحق الحديث عنه في المستقبل…
أما الآن فوقت الإجازة الصيفية، أسابيع قليلة ونعود بعدها للكتابة بإذن الله، حتى ذلك الوقت لا تنساني من صالح دعائك ولا تبخل علينا بنتائج تنظيفك لأسفل سريرك !
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء